روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الثاني والأربعون

رواية خطايا بريئة البارت الثاني والأربعون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الثانية والأربعون

ستفقد كل الفرص التي سنحت لك بمجرد أنك قررت عدم محاولة استغلالها.
– واين جريتزكي
———————-
جلست بعيون ذابلة وملامح
متهدلة بزاوية الغرفة أمام النافذة شاردة لا تعلم ما بها نعم ذلك ما ارادته ولكن لم تشعر بالضيق ولما ايضًا تشعر أنها فقدت شيء عزيز على قلبها ترى هو محق هل من المفترض أن تعطي فرصة لذاتها…ترى هو حقًا سيكون هو جدير بها ولكن مهلًا ماذا عن أنين قلبها وماذا ايضًا عن خوائها… حقًا لا تعلم اجابة واحدة لتسائلاتها كل ما تعلمه أن قواها خارت ورغبتها منعدمة نحو كل شيء، تعالت ضحكات صغارها لتنتشلها من افكارها لتجدهم يجلسون بجانبه على الفراش ويقوم هو بدغدغتهم معًا
وسط قهقهاتهم وضحكاتهم المستمتعة، حانت منها بسمة باهتة على ذلك المشهد النادر الذي لم يتكرر سوى مرات تعد على أصابع اليدين، وتسائلت هل ياترى هي ظلمت ابنائها بأنفصالها، يعلم الله أنها تهاونت من اجلهم كثيرًا وكانت دائمًا تتغاضى و تتدبر السُبل كي تحيا بسلام ولكنه خزلها وهدم كل سُبلها ولم يقدر تضحياتها فلم تفعل ما فعلته إلا حين فاض بها…نعم على أتم الاستعداد أن تفعل أي شيء من اجل ابنائها ولكن ماذا عنها وعن حق ذاتها عليها، إلا يحق لها أن تستعيد كيانها وتستقل بحياتها.
لاحظ هو شرودها ليتوقف عن ما يفعله ويضمهم له متسائلًا:

-مالك يا “رهف”

نفت برأسها وتمتمت ببسمة باهتة:

-مفيش حاجة مرهقة بس شوية

-طب لو حابة تروحي ترتاحي انتِ والولاد أنا معنديش مشكلة

تنهدت وأيدت اقتراحه:

-فعلًا انا محتاجة ارتاح والولاد كمان انا هروح دلوقتي وهبقى ارجعلك الصبح…الدكتور قال أنه هيكتبلك على خروج بكرة

وهنا اشرأب” شريف “برأسه متسائلًا:

-مامي هو بابي هيروح معانا البيت

تعلقت نظراتهم ببعض ولم تجيب هي، لتضيف “شيري” وهي تعانق ابيها:

-مامي بابي مش ينفع يقعد لوحده ولازم نبقى معاه

انتظر جوابها بفارغ الصبر ولكنها زفرت انفاسها وقالت كي تخيب رجاءه في غفرانها:

-مش هنسيبه لوحده يا ولاد هنبقى نزوره متقلقوش

-“رهف “انا بجد محتاجلكم خلينا نرجع نتلم من تاني والولاد يتربوا وسطينا

حاول اقناعها ولكنها اغمضت عيناها بقوة تلعن شتاتها، ودون أن تضيف كلمة واحدة تريح قلبه كانت تنهض وتتوجه نحو الخزانة تدس يدها بملابسه التي كان يرتديها تخرج مفاتيح شقته قائلة:

-أنا هدفع حساب المستشفى قبل ما امشي وهجيبلك بكرة هدوم من البيت قبل ما اجيلك انا والولاد… وهبعت حد ينضفه ويعملك أكل علشان لما تخرج …عايز حاجة تانية اجبهالك قبل ما اجي

-عايزك تريحيني يا”رهف”

-راحتك مش اهم من راحتي يا “حسن” …حمد الله على سلامتك

ذلك آخر ما قالته قبل أن تغادر الغرفة مصطحبة اطفالها تاركته ينظر لآثارها وهو يبتلع غصة مريرة مر الحنضل من شدة ندمه كونه خسرها.

————————

عادو للمنزل بعد انقضاء بضع ايام بالمشفى وقد تحسنت حالته كثيرًا وطمئنه الطبيب أن يمارس حياته العادية، فقد اصرت “ثريا” فور وصولها أن تذهب كي تطمئن على “حسن”…

وها هي “نادين” تجلسه على طرف الفراش قائلة بسعادة هائلة:

-حمد الله على سلامتك البيت نور

-البيت وحشني اوي

ابتسمت بسمة هادئة ثم انحنت كي تنزع عنه كنزته كي تساعده في ارتداء غيرها قائلة:

-كان مضلم من غيرك

نزعت عنه كنزته ثم رفعتها لأنفها تستنشقها بعمق مستمتعة ليباغتها هو ويجذبها من رسغها ويجلسها
بجواره متسائلًا بمشاكسة:

-بتعملي ايه ما انا قدامك اهوا؟

اجابته بتنهيدة مُسهدة:

-ريحتك وحشتني أوي يا “يامن” تعرف إني اقدر اميزها من بين ألف ريحة غيرها

اجابها بتلقائية:
-اه البرفان ده حلو انا كمان بحبه ومتعود عليه

نفت برأسها وهي تميل تقبل كتفه قبلة مطولة وهي مغمضة العينين:
-مش ريحة البرفان ….ريحة جسمك

ابتلع ريقه عندما دفعته برفق تمدده على السرير ثم مالت عليه دون أن تضع حمل جسدها عليه ثم اخذت تقبل صدره وخصوصًا موضع ضمادته كأنها تواسي جرحه وتطيب خاطره كي يطيب على الأخير

جف حلقه ثم رفع رأسها بأنامله وقال بنبرة متهدجة:

-“نادين” حرام عليكِ

ابتسمت تلك البسمة الماكرة التي أوقعته بها ثم اقتربت من وجهه بشكل خطير هامسة بنبرة غريبة هي ذاتها تستغربها:

-وحشتني اوي… احضني يا “يامن”

ابتلع ريقه وقال بأنفاس لاهثة وهو يجذبها من مؤخرة رأسها:

-هي تقريبًا الهرمونات دي هتكون مفيدة اوي

قهقهت هي ولكنه كتمها حين اطبق على شفاهها بقبلة عاصفة أطاحت بدفعاتها وجعلته يرتشف من رحيق ثغرها.
—————–
اليوم هو اليوم الموعود التي طالما انتظرته بفارغ الصبر فقد اتموا كافة التحضيرات وتم حجز أحد القاعات الصغيرة التي تناسب إمكانياته فلم يقبل مساعدة من “فاضل” بأي شكل من الأشكال وكم كانت فخورة هي به وبعزة نفسه بعدها فهي لا ترغب في حفل زفاف اسطوري بل كل ما تطمح به هو حفل صغير يسعها بقربه والأقربون لقلبها.

-يخربيت جمالك والنعمة هعيط

قالتها “شهد” بعدما انتهت خبيرة التجميل من وضع اللمسات الاخيرة لها لتبرز جمالها وحين انتهت نهضت “ميرال” بفستانها الابيض الزاهي الذي يضيق من عند الصدر وينسدل باتساع من عند الخصر بعدة طبقات من الشيفون المطرز بذلك اللؤلؤ البراق الذي انعكس ضيه داخل عيون الجميع واولهم “نادين” التي قالت بانبهار:

-تحفة يا “ميرال” تجنني

اتسعت بسمتها وهي ترى انعكاسها في المرآة ثم قالت بسعادة تتقافز من عيناها:

-بجد حلو يعني هعجب “حمود”

-يابت بطلي سهوكة بقى القلوب اللي طالعة من عينك ملت الأوضة

قالتها “نغم” بمشاكسة مما جعل “ميرال” تجيبها وهي تخرج لسانها:

-وماله مهو بقى جوزي…جوزي ….جوزي

كررت اخر كلمة وهي تدور حول نفسها مما جعلهم يقهقهون على جنانها وتعقب “نغم”:

-لاحول ولا قوة إلا بالله البنت كانت بعقلها

لتسايرها “نادين” وهي تتذكر مالك قلبها وتقبل دبلته التي تزين بنصرها بتنهيدة مُسهدة:

-معلش معذورة الحب بيعمل اكتر من كده

رفعت “نغم” سبابتها بوجههم محذرة:

-وانتِ كمان …لأ بقولكم ايه انا سنجل راعو مشاعري وبطلوا نحنحة منك ليها

قهقهوا من جديد تزامنًا مع دخول “مُحبة” التي فور رؤيتها أخذت تبكي من شدة سعادتها، لتعاتبها “ميرال”:

-بتعيطي ليه يا دادة حرام عليكِ دلوقتِ

اجابتها “مُحبة” وهي تكفكف دمعاتها:
-مش مصدقة يا بنتي إني عيشت وشوفتك بالفستان الابيض

احتضنتها “ميرال” قائلة:
-ربنا يخليكِ ليا يا دادة ويديكِ طولة العمر علشان تربي ولادي كمان

ربتت” مُحبة” على ظهرها بحنو ثم فصلت عناقها وأخذت تطلق الزغاريد هي و”شهد ” حتى تردد صداها ليبعث البهجة في في الأجواء التي بدأت لتوها حين دلف “فاضل” إليها كي يصطحبها ليسلمها لزوجها وفور رؤيته إياها دمعت عينه ودثرها بين احضانه متأثرًا:

-زي القمر يا بنتي ربنا يسعدك

مررت “ميرال” يدها على ظهره بحنو داعية:

-ربنا يخليك ليا يا بابي

فصل عناقه قائلًا بغيرة ابوية:

-هياخدك مني الولد ده

-محدش يقدر ياخدني منك أنت حبيبي قبل منه

قرص وجنتها مبتسمًا بسعادة متناهية ثم اخذ يدها يعلقها بذراعه وتقدم بها عبر ذلك الرواق الكبير الذي يوصل لتلك القاعة التي سيقام بها الزفاف وحين لمحته يقف من بعيد يواليها ظهره تقافزت ضربات قلبها وتعالت انفاسها وهي تشعر أنها بحلم جميل وكل ما يمر بها هو من نسج خيالها
ربت ابيها على يدها المسنودة على ذراعه وحثها كي تتقدم منه من أجل تلك اللقطات التصويرية التي يحرصون المصورون رصدها كي تخلد تلك الذكرى للأبد، نقرت هي على كتفه ليلتفت لها بتلك الطلة المبهرة مرتديًا بذلة سوداء ذات تصميم رجولي مميز للغاية تحتها قميص أبيض زاهي اللون وبيبيون لتكمل اناقته.

لثوانِ وقف كل منهم منبهر بالأخر دون حديث وكأن كافة امانيهم واحلامهم متجسدة أمامهم لتتسع بسمته شيء فشيء مع بسمتها ثم تقدم نحوها وبتنهيدة تنم عن راحة عارمة كونه فاز بها طبع قبلة مطولة على جبهتها.

تعالت الزغاريد تزامنًا مع وضعه ليدها بذراعه ثم سيره بها لداخل القاعة الصغيرة التي تضم عدد قليل من الاقارب والاصدقاء

وقد صدحت أصوات الأغاني الدارجة تعلن عن بدء فقرات حفل الزفاف كما هي متعارف عليها

——————–

وقفت تتأملهم من احد الزوايا اثناء رقصهم تلك الرقصة الهادئة حين باغتها هو:
-عقبالنا يا “شهد”

ابتسمت قائلة بخجل:
-إن شاء الله

-طب امتى مش هترضي عني بقى

-قولتلك إني موافقة بس بعد ما اطمن على “حمود” و”ميرال ”
-انا معاكِ ومستعد استناكِ العمر كله يا “شهد”
تهربت بنظراتها منه واشتعل وجهها حرجًا من جملته ولم تعرف ماذا تجيب، ليزيدها هو عليها:

-على فكرة أنتِ مختلفة النهاردة

ابتسمت بهدوء وهي تطالع فستانها النبيذي المحتشم وتسألت بتوجس وهي تتأكد بأناملها من لفة حجابها:

-حلوة يعني!

-لأ.

شهقت متفاجئة في حين اكمل هو برزانة:
-انتِ علطول حلوة يا “شهد” مش النهاردة بس ومش ده اللي اقصده

-أمال ايه أنت بتقول فوازير يا “كاظم”

ابتسم بسمة هادئة على نطقها لأسمه ثم عقب بإعجاب شديد:

-منكرش الفستان والميكب ظهروا جمالك اكتر بس انا بحب اشوفك على طبيعتك من غير رتوش

فركت يدها متوترة وقالت بتلقائية:
-والنعمة دي عيونك

حانت منه بسمة مستمتعة على تلقائيتها وهمس بعيون مُسبلة:

-على فكرة عيونك أنتِ احلى صافية وفيها دفى غريب بيخلي الواحد يرتاح بعد ما يبص فيها

مهلًا هل الأرض تدور بها أم ذلك أثر حديثه، فقد رفعت نظراتها كالمغيبة ثم ابتلعت رمقها من نظراته التي ارجفت اوصالها وكشفت الستار عن تلك المشاعر الكامنة التي كانت تناست تواجدها من الأساس… لتتلعثم بحرج:

-نهار اسوح…براحة عليا…ربنا يخليكِ

تنهد وقال وهو يشمل خجلها بنظرة تعدت الاعجاب بمراحل عارمة:

-انا مقولتش حاجة لسه يا “شهد”

شهقت واستنكرت وهي تتهرب من نظراته:

-كل ده ولسه مقولتش لأ انا همشي من قدامك احسن واروح اشوف البنات

قالتها وهي تهرول من امامه هاربة حتى لا يغدقها اكثر بأقاويله التي تكاد تبعثرها وتفقدها اتزانها.

بينما على الجانب الأخر كانت تجلس بجواره على الطاولة تتنهد تنهيدات حالمة وهي تشاهد “ميرال” و”محمد” يتمايلون على أنغام تلك الرقصة الهادئة، ليباغتها هو:

-تحبي ترقصي

هزت رأسها واسندت رأسها على كتفه قائلة:
-لأ يا حبيبي أنت لسه تعبان ومش عايزة اتعبك كفاية جيت معايا

-انا بقيت كويس على فكرة والدكتور بنفسه قالك كده ليه مش مقتنعة

-ايوة مش مقتنعة يا “يامن” وهفضل خايفة عليك لغاية متأكد بنفسي أنك أحسن

رفع حاجبه بمكر وتسائل:

-طب وهتتأكدي ازاي؟

تنهدت وقالت بعدم معرفة:

-هاا…معرفش

باغتها بجرأة وبنظرات ماكرة اخجلتها:

-لازم تكونِ مش عارفة ما أنتِ من ساعتها واخرك البوس

كتمت فمه بيدها ونهرته قائلة:
-هتفضحنا يا “يامن” اسكت

تحدث من تحت كف يدها فلم تفهمه لتزيح يدها ويقترح هو بمغزى تعلمه هي تمام المعرفة:

-طيب سبيني اكدلك بطريقتي لما نروح

اجابته ببسمة ماكرة:

-نبقى نعمل مفاوضات ونشوف

قلب عينه وحاول استعطافها:

-حرام عليكِ والله انا لو في حاجة تعباني فهو انتِ

وضعت يدها على وجنته وعقبت بنظرات مغوية:
-هتبقى مفاوضات سلمية يا “يامن”

تأهب متسائلًا:

-بجد سلمية من غير شغب ولا احتجاج

هزت رأسها ب لا لتتسع بسمته البشوشة ويقول مشاكسًا:

-طب حيث كده يلا بينا عايز اروح دلوقتِ بس قبلها هوديكِ مكان هيعجبك

-هتوديني فين؟

-متستعجليش هتعرفي…

-طب خلينا شوية وطالما اعترفت انك بقيت احسن تعالى نرقص الأول

قالتها وهي تجذبه من يده لحلبة الرقص ويشاركون العروسان رقصتهم

أما عنهم فكانوا يتمايلون على أنغام تلك الأغنية الرومانسية الهادئة حين كانت هي تتشبث به وكأنه طوق نجاتها التي لن تفرط به مهما حدث مما جعله يميل على اذنها مشاكسًا:

-هو انتِ ماسكة حرامي يا “ميرال”

نكزته برفق بكتفه ورفعت نظراتها له قائلة ببسمة واسعة:

-اه حرامي سرق قلبي وعقلي وكل كياني

-كل ده لأ ده الموضوع خطير ومش لازم يتسكت عليه

-لأ ما انا مسكتش واتجوزته وهحبسه في قفص الزوجية ومستحيل هطلق سراحه ابدًا

قهقه هو بكامل صوته الذكوري وطوح رأسه بأستمتاع على حديثها…لتهيم بضحكته كعادتها وتهدر قائلة بنبرة تعدت العشق بمراحل عارمة:

-يخربيت جمال ضحتك والله بحبك بحبك يا “حمود”

قالتها وهي تدس رأسها بصدره من جديد ليقبل هو اعلى رأسها ويهمس بعشق يضاهي عشقها:

-وانا بحبك اكتر يا حلو

أما عن “نغم” فكانت تجلس برفقة والدها تشاهدهم من موقعها ببسمة هادئة ولوهلة أتى هو برأسها وتذكرت مقابلته لابيها بأحد الايام السابقة و تذكرت ايضًا تلك الدقائق المعدودة التي تحدثت معه بها فقد وعدته انها ستستخير ربها ويبدو أن تلك الراحة التي تَسكن قلبها مبشرة بالخير. لتتنهد تنهيدة عميقة مطولة ثم تهمس لذاتها:
-اللهُم اجعله سند كسند الرّسول لِعائشة حين إحتمت خلف ظهره خوفاً من أبيها.

كانت الأجواء مبهجة للغاية والسعادة تعم على الجميع لحين انتهى الحفل وكاد يغادر بها لولآ أن “فاضل” اقترب منه قائلًا وهو يربت على كتفه:

-خلي بالك منها يا “محمد”…”ميرال” امانة في رقابتك ارجوك حافظ عليها

ابتسم هو قائلًا بثقة عارمة دون لحظة تردد واحدة وهو يحاوط خصرها:

-“ميرال” في عيني وجوة قلبي يا “فاضل” بيه متقلقش عليها

ابتسم “فاضل” بارتياح، لتقترب “شهد” ايضًا وتقول بسعادة وبدمعات حانية وهي تحتضن “ميرال”:

-مبروك يا “ميرال” ربنا يهنيكم ويسعدكم يارب

-الله يبارك فيكِ يا “شهد” عقبالك

لتقترب وتهمس بأذنها:
-حرام عليكِ تاخري اكتر من كده أبيه على آخره

نكزتها “شهد” ببسمة عابرة من بين دمعاتها الفرحة في حين هو جذبها لأحضانه وقبل جبهتها قائلًا بحنو اخوي:

-بطلي عياط يا بركة ولا عايزة تنكدي عليا في يوم زي ده

-لا يا اخويا ربنا يعلم أن فرحتي بيك الدنيا مش سيعاها

فصل عناقه وعاتبها وهو يسحب منديل بدلته ويجفف به دمعاتها:
-طب بطلي عياط بقى واديني زغروتة حلوة من بتوعك

أنصاعت له واطلقت زغرودة فرحة مجلجلة وإن انتهت رفع يدها وقبلها ثم من بعدها جبهتها داعيًا:

-ربنا يخليكِ ليا يا “شهد”

ابتسمت “شهد” باتساع وأخذت تدعوا لهم وأمنوا الجميع على دعواتها حتى تلك المختبئة هناك التي أتت خصيصًا بعد هجر سنوات كي ترى ابنتها التي تخلت عنها يوم زفافها.

غادروا العروسان وانصرف الجميع وإن كاد يغادر هو تجمد بأرضه وهو يراها تسير بخطى وئيدة متعثرة.

في بادئة الأمر هيأ له أن الأمر من نسج خياله ولكن حين دقق بها تأكد انها هي اسرع بخطواته إليها زاعقًا بأسمها:

-“صافيناز”

توقفت مشدوهة والتفتت له تطالعه بنظرات خاوية ليتحدث هو بشدوه تام:

-بتعملي ايه هنا!

-جاية اشوف بنتي يا “فاضل” ولا دي كمان عايز تحرمني منها

-مش قصدي انا…

قاطعته هي:
-انت السبب يا ‘فاضل” انا عمري ما سمحتك

-انتِ اللي عمرك ما حبتيني ولا اتمسكتي بيا وبنتك

-انت اللي خيرتني ومكنش عندي استعداد اقضي الباقي من عمري مزلوله ليك علشان بس ترضى غرورك وانانيتك وإذا كان عن الحب ده مش بأدينا وغصب عننا ملناش سُلطة عليه

-انا لومت نفسي كتير بعد اللي حصل وصدقيني لو رجع الزمن بينا كنت احترمت رغبتك ومحرمتكيش من بنتك

رددت كلمته بنبرة مريرة:

-بنتي…

-ليه مباركتلهاش؟

-هقولها ايه يا “فاضل” مهما حصل مش هتسامحني إني اتخليت عنها واسبابي مش هتقنعها

انا اخترت حياتي زمان بكامل ارادتي ومنكرش إني عمري ما نسيتها مفيش أم بتنسى ولادها…بس مكنتش عندي الشجاعة اواجهها لا زمان ولا دلوقتِ

-سامحيني يا “صافيناز” انا اللي..

قاطعته من جديد بإقتناع:

-ده اختياري انا يا”فاضل” ومش ندمانة عليه ومتأكدة أن ربنا عوض بنتي

عن اذنك “عزت”مستنيني و زمانه قلقان عليا هو والولاد ولازم ارجع على اول طيارة

ذلك آخر ما نطقت به قبل أن تغادر تاركته يبتسم بسمة ساخرة على ذلك الزمن الذي لم يغير بها شيء حتى تفضيلها لذلك ال “عزت” التي تخلت من أجله عن كل شيء واولهم قرب ابنتها.

————————
-ايه رأيك؟
قالها وهو يقف بها على أعتاب تلك الڤلا الكبيرة التي ابتاعها مخصوص من أجلها

جالت المكان بعيناها منبهرة بكل شيء وتسائلت:

-رأي في ايه يا “يامن” الڤلا تجنن بتاعة مين وجايبني ليه هنا!

اجابها بنظرات حالمة:
-بتاعتنا يا قلب “يامن” كنت عاملهالك مفاجأة قبل ما….

ابتلع باقي حديثه ولم يشاء أن يتذكر الأمر، لتتفهم هي وتقترب تحتضنه قائلة:

-حبيبي بس ده كتير عليا اوي

-مفيش حاجة تغلى عليكِ

-بس انا بحب البيت هناك ومش عايزة اسيبه ده كل ركن هناك لينا ذكرى فيه

-بس انتِ وعدتيني نبدأ من جديد…صحيح لينا ذكريات جوة البيت القديم بس انا عايزة نعمل ذكريات تانية اجمل من اللي فاتت والبيت ده هيشهد عليها

-طب وماما” ثريا” هترضى؟

-امي المهم عندها تشوفنا مبسوطين واكيد مش هتمانع

تنهدت ببسمة واسعة ثم تعلقت بعنقه قائلة بسعادة عارمة:

-ربنا يخليك ليا يا “يامن”

-ويخليكِ يا قلب وروح “يامن” ويقدرك علشان تمليلي الڤلا دي كلها عيال

-لأ هما ولد وبنت بس ونحمد ربنا على كده

-لأ انا عايز خمس بنات وكلهم شبهك

شاكسته هي بحاجب مرفوع مستخدمة طُرفته السابقة:

-طب وبُرعي نسيته

مط فمه وشاكسها:
-صح عندك حق و بُرعي علشان يبقوا نص دستة

قهقهت على مشاكسته ثم سحبته من يده قائلة:

-طب تعالى فرجني على بقية الڤلا

-لأ بقولك انا مش بحب تضيع الوقت انا هفرجك على أوضة النوم الأول والمفاوضات السلمية تبقى فوق وياسلام بقى لو طاوعتني و جربنا السرير

قطمت شفاهها وقالت بتطلب غريب والاثارة تقطر من نظراتها:
-هو الحمل طالب حاجات غريبة معايا وبصراحة معنديش مانع

قهقه هو بقوة على حديثها ثم شاكسها بغمزة من عينه:

-انا قولت الهرمونات دي هتخدمني مصدقتنيش

قهقهت من جديد وداعبت تلك الشعيرات النامية بذقنه بأناملها هامسة:

-أنا كلي ملكك يا “يامن” بهرمونات أو من غير انا نفسي اعمل أي حاجة علشان اسعدك واعوضك عن كل حاجة

تنهد مُسهدًا وهمس وهو يهيم بها بعيون احتلتها الرغبة بالفعل:

-اموت فيكِ وانتِ حنينة وعايزة تدلعيني

-طب يلا بقى قبل ما الهورمونات تشتغل و ارجع في كلامي

قالتها وهي تجذبه من يده
فما كان منه غير يسبقها بخطواته التي تنم عن توقه الشديد لها وبينه وبين ذاته فكان يتوعد لها بليلة جامحة كي يعوض حرمانه من نعيم قربها.

—————————
دلفوا لشقتهم الصغيرة معًا وهو يحملها مثل تلك الأفلام الكلاسيكية التي كانت تشاهدها مع ابيها، فكانت تتعلق بعنقه وتهيم به بنظراتها التي قابلها بأخرى حالمة حين انزلها وأغلق باب الشقة، انتفضت من موضعها واخذت تفرك بطرف طرحة فُستانها بتوتر بالغ يكاد يوقف قلبها.

تحمحم هو واقترب يحاوط خصرها من الخلف هامسًا بنبرة ملتاعة متشوقة وهو يلثم كتفها:

-اخيرًا هيتقفل علينا بيت يا حلو أنا مش مصدق أنك هنا معايا وأن خلاص كل احلامي اتحققت بيكِ

حاوطت يده التي تحتضن خصرها وهمست بنعومة وهي تميل رأسها بتجاوب مع لمساته وقُبلاته الحارة المتقطعة التي أخذ ينثرها ويصعد بها لعنقها:

-ولا انا يا “حمود” حاسة أن قلبي هيقف من كتر الفرحة

ادارها إليه دون أن يفُك حصار يده من خصرها ثم ضمها لجسده بعناق حميمي افقدها اتزانها:

-سلامة قلبك ودقاته يا حلو ايام وفرحة قلب “حمود”

مرغت وجهها بصدره كالقطط ثم همست بتخدر متأثرة بذلك العناق الحميمي الدافئ الملفح بالاحتياج:

-نفسي افضل العمر كله في حضنك وبين ايديك يا “حمود”

اتسعت بسمته وقال ويده تسير على ظهرها بحركات حانية مطمئنة بثت القشعريرة بها:

-وانا نفسي اغرق فيكِ الباقي من عمري يا “ميرال”

-اوعدني أن مهما كان اللي بينا عمرك ما هتسبني انام زعلانه بره حضنك

وعدها بصدق وبأنفاس ثائرة وهو يدس أنفه بخصلاتها يستنشق رائحتها المسكرة التي تُسكر كافة حواسه بكل اريحية وكأنه يعوض تلك الايام التي كانت تزلزل ثباته بها حين يشمها عن بُعد:

-اوعدك يا حلو

رفعت رأسها له ودون أن تفصل عناقهم تسائلت:

-ليه دايمًا بتقولي يا حلو

اجابها بوله تام وهو يسند جبهته على خاصتها:

-علشان أنتِ حلوة اوي يا “ميرال” وكل حاجة فيكِ حلوة…ليقترب ينثر قُبلاته على كل أنش بوجهها ويهمس همس متقطع جعل القشعريرة من جديد تنتاب كافة اوصالها:

-ضحكتك…رقتك…عيونك…صوتك كسوفك…عفويتك كُلك على بعضك حلو…

قال آخر جملة بأنفاس متثاقلة وقبل أن تستوعب أو تتدارك الأمر لمواكبته كان يلتقم شفاهها بقُبلة متناغمة تواقة للمزيد والمزيد كي يرضي شغفه بها أما هي فكانت مأخوذة وبهيمنته الطاغية حتى انها تعلقت بعنقه بعدما شعرت أن قدميها كالهلام ولم يعودوا يحملوها لذلك تشبثت به بقوة وكأنه طوق نجاتها لتنفلت شهقة متفاجئة من بين شفاههم تخصها حين رفعها من خصرها واخذ يسير بها نحو غرفتهم لتتملص هي وتهمهم بعيون مُسبلة و بنبرة متخدرة افقدته آخر ذرة تعقل به:

-هتعمل ايه مش قولتلي هنصلي الأول وتؤم بيا؟
اجابها وهو بالكاد يتحكم بانفاسه:
-ايوة اكيد مش هاتفوتني هنصلي الأول
ليستأنف بتوق شديد محذرًا:
– بس ياريت متقاطعنيش تاني ومتسأليش عن أي حاجة بعديها

ردت بعيون مُسبلة وبرقة متناهية و بطاعة راقته للغاية:
-حاضر يا “حمود” بس نزلني
تأوه من فرط شوقه ثم قال بنفاذ صبر وهو يستأنف سيره بها:

– يخربيت كده! اسكتي متقوليش “حمود” دي !

ابتسمت على لهفته ثم دفنت وجهها بين ثناياه كي تداري خجلها ليخطوا هو بها نحو الغرفة وإن دخل اغلق الباب خلفه بكعب حذائه وهو ينوي اولًا القيام بصلاة ركعتين لحمد الله وشكره على النعم التي أنعم عليه بها ثم بعدها لا شيء سيردعه كي يرتوي حد الاكتفاء من ينبوع عشقها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى